المسيرة السياسية والجهادية للأمير محمد عبد الكريم الخطابي



الأمير محمد عبد الكريم الخطابي هو مقاوم وقائد ومجاهد مغربي ولد في قرية اجدير ودرس العديد من المجالات منها القانون واللغة والقران الكريم، بدأ مسيرته الجهادية بعد توغل الاسبان في الريف المغربي لينشئ فيما بعد الجمهورية الريفية، حتى اجتمعت عليه فرنسا واسبانيا لنفيه خارج البلاد، وبعد مرور ٢٠ عاما طلب اللجوء إلى مصر وبقي هناك حتى توفي.

وفي هذا التقرير عرض للمسيرة السياسية والجهادية للقائد الأمير محمد عبد الكريم الخطابي بعد الرجوع الى ما صرحت به ابنة محمد الخطابي عائشة ورفيق الخطابي الدكتور أحمد المرابط بالإضافة إلى ما أشار إليه كتاب ١٠٠ من عظماء أمة الإسلام في الحديث عن مسيرته الجهادية:

— النشأة والتعليم:
ولد في المغرب عام ١٨٨٢ كان والده يعمل قاضيا، وعرفت اسرته بمكانتها العلمية والسياسية في البلاد، حيث أن معظم رجالها شغلوا مناصب القيادة والقضاء، تلقى تعليمه الأولي متمثلا في حفظ القرآن الكريم وتعاليم الدين في بلدته اجدير، قبل أن ينتقل للدراسة في مدينة تطوان ثم مدرسة العطارين بفاس، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة مليلية التي نال فيها شهادة البكالوريا الإسبانية، ثم درس في جامعة القرويين بفاس وكان ختام مسيرته الجامعية في مدينة ملقا الإسبانية والتي درس فيها القانون الاسباني لمدة ثلاث سنين.

—حياته المهنية:
وكانت بدايته المهنية في مليليا وزاول مهنة التدريس فيها لمدة خمس سنوات، ثم عمل كمترجم وكاتب في الإدارة المركزية للشؤون  الأهلية في البلاد، بالإضافة إلى أنه اشتغل صحفيا وخصص له عمودا يوميا باللغة العربية على غرار والده تم تعيينه سنة ١٩١٣ قاضيا ثم رقي إلى منصب قاضي القضاة وكان يبلغ من العمر ٣٢ سنة.

—مسيرته السياسية والجهادية:
سجن سنة ١٩١٥  والذي كان نتيجة تعاطفه مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، حيث اتهم بالتخابر مع ألمانيا وقد حاول الهروب من السجن أكثر من مرة لكن دون جدوى، وكسرت في إحدى هذه المرات ساقيه، ومكث في السجن ١١ شهرا قبل إطلاق سراحه.

أما السبب الثاني هو دخول الاستعمار الاسباني إلى مرحلة التغلغل العميق في المغرب وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، من خلال تكثيف الوحدات العسكرية وتنصيب ٦٣ ألف عسكري وتوسيع الثكنات العسكرية على طول شمال المغرب، الأمر الذي لاقى معارضة كبيرة كن قبل شيوخ القبائل وعلى رأسهم الخطابي.

وكان القاضي الخطابي الأب أول من نظم المقاومة الريفية سنة ١٩٢٠ إلى أن توفي الوالد ليتولى إبنه محمد عبد الكريم زمام الأمور وكان في ٣٩ من عمره، فاستكمل ما كان أبوه عازم عليه من مواصلة الجهاد  واخراج الاسبانيين من البلاد وفي تلك الأثناء قرر الجنرال سيلفستري التقدم نحو بلاد الريف الاستيلاء عليها.

وبالموازاة مع ذلك عرض على الخطابي مقترحا للسماح لاسبانيا الدخول أكثر إلى  عمق الريف مقابل دعم و تجهيز جيش من الريف يحارب فرنسا إلى جانب اسبانيا ومبلغ عشرين مليون، إلا أنه رفض وحذر الجنرال من مغبة الاستمرار في التقدم والدخول إلى مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية.

لم يستمع الجنرال لكلام الأمير  واستمر في التعمق داخل الريف، مما دفع محمد إلى توحيد صفوف قبائل الريف وتحويل صراعهم إلى الاحتلال الاسباني الذي احتل جميع القبائل بمحاذاة مليلية حتى احتل تمسمان، حيث تمكن الجنرال بالفعل من إنشاء اكثر من ١٠٠ نقطة مراقبة عسكرية.

وقد قام الأمير الخطابي بمهاجمة واحدة من هذه النقاط برفقة ٣٠٠ مقاتل واسفر الهجوم عن مقتل نصف الحمولة العسكرية الإسبانية، إضافة إلى اغتنام الريفيين لقطع مدفعية ومعدات حربية أخرى، وهنا دارت معركة أنوال الشهيرة حيث انهزم الاسبان أمام المقاومة، ومباشرة بعد الانتصار تعافتت القبائل الريفية للانضمام إلى المقاومة وارتفع جيش محمد  إلى ألف مقاتل، وأصبحت تطارد الاسبان أينما وجدوا.

وبعد فترة قصيرة تمكنوا من تحقيق نصر ثان في منطقة سيدي حيث فقد الاسبان ٣١٤ جنديا  وأصبح وجود الاسبان مقتصرا على منطقة تطوان وبعض الحصون في منطقة الجبالا.

اعلن الخطابي استقلاله عن الحماية الإسبانية للمغرب بعد إجلاء الاسبان منها، حيث أسس جمهورية الريف وبدأها بدستور وبرلمان واتجه إلى تأسيس دولة منظمة، وأعلن عن أن أهداف نظامه تتمثل في عدم الاعتراف بما يسمى بالحماية الفرنسية على البلاد،  وترحيل الإسبان من المناطق التي احتلوها، وإقامة علاقة جيدة مع باقي الدول والاستعانة بالخبراء الأوروبيين في بناء الدولة.

كما قام بتحويل رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي، وعمل على تأسيس الإدارة المدنية، وقام وتعبيد الطرق وتمديد الهواتف، وأرسل وفودا إلى البلاد العربية للحصول على دعمها، وطلب من عدة دول الاعتراف بجمهوريته ومنها: برطانيا وفرنسا والفاتيكان.

أعلن أميرا للريف وتم تنظيم جمهورية رسمية في ١ فبراير ١٩٢٣، حيث كان هو رئيسها ورئيس الوزراء في بادئ الأمر، ثم عين الحاتمي على رئاسة الوزراء.

انزعجت فرنسا من الواقع الجديد في المنطقة فقررت التدخل إلى جانب الاسبان، وذلك لخوفم من أن يكون نجاح هذه الثورة بمثابة وقود لجميع المغاربة في تحرير باقي المدن والقرى، واقامة الثورات في افريقيا ضد الاستعمار.

بدأت فرنسا في تضييق الخناق على الخطابي والتدخل الاستفزازي العسكري، ولكنه كان يلتزم الصمت حتى لا يحارب في جبهتين، حتى لم يعد أمام الدولتين فرنسا واسبانيا سوى أن يجتمعا على حرب الأمير

حشدت القوتان جيشا قوامه ٥٠٠٠ الف مقاتل مدججا بأحدث وسائل القتال وجهته نحو الريف، واستعملت فيها اسلحة محرمة دولياً كغاز الخردة الذي تم القاءه بواسطة طائرات الجيش الإسباني.

—نفي الخطابي ووفاته:
بعد تضييق الخناق على الخطابي وسقوط العديد من الشهداء الأبرياء من المدنيين اضطر إلى تسليم نفسه للسلطات الفرنسية، وهكذا تم حل جمهوريته في ٧ مايو عام ١٩٢٦  وقرر الفرنسيين نفيه الى جزيرة لارينيون مع أسرته.

وبعد مرور ٢٠ عاما على نفيه قرر الفرنسيون نقله إلى فرنسا وأثناء مرور الباخرة في ميناء بورسعيد في مصر طلب حق اللجوء السياسي من الملك فاروق واستجاب فورا إلى طلبه وظل مقيما في مصر حتى وفاته.

وفي مصر واصل الدعوة الى التحرر من المستعمرين الفرنسي والإسباني وساند الحركات التحررية في كل من بلاد المغرب العربي الجزائر وتونس وليبيا عن طريق إذاعة صوت العرب، حتى توفي في ٦ فبراير ١٩٦٣.

إرسال تعليق

0 تعليقات